تستيقظ سعدات محمد علي، أم لـ 6 أبناء، صباح كل يوم، باكراً لتبدأ رحلتها في مواجهة مصاعب الحياة، بالتوجه إلى الأراضي الزراعية المحيطة بحيي الشيخ مقصود والأشرفية، وجمع النباتات القابلة للأكل والخضروات.
في ظل الظروف الناجمة عن الحصار من ارتفاع أسعار المواد والسلع وغيرها، تحاول سعدات وهي مهجّرة من مدينة عفرين المحتلة، اغتنام فترة نمو الأعشاب والنباتات وتجمعها بغرض بيعها، وتوفير الحد الأدنى من المصروف اليومي لأسرتها، وإعالة أطفالها وتأمين حاجيات منزلها.
بعد التهجير حصار جائر
هُجّرت سعدات محمد علي مع أسرتها، إبان احتلال مقاطعة عفرين من قبل الدولة التركية ومرتزقتها في آذار 2018، إلا أن مشقات الحياة طاردتها إلى حلب، حيث وقعت كالآلاف من المهجرين إلى الشهباء وحيي الشيخ مقصود والأشرفية ضحية للحصار الخانق والمفروض من قبل حكومة دمشق الذي تمنع خلاله المواد الأساسية والمحروقات والأدوية من الدخول إليها، دون الاكتراث بما يعانيه الأهالي والمهجرون من صعوبات وتحديات يومياً.
سعدات محمد علي تحمل مسؤولية تأمين مستلزمات المعيشة وحاجيات منزلها وإعالة أولادها على عاتقها، بالتوجه إلى المناطق الواقعة جنوب شرق مدينة حلب، والمشهورة بالزراعة، كـ تل عران وتل حاصل وراموسة؛ لجمع النباتات وجلبها إلى حلب لبيعها. تقول عن ذلك: "زوجي مُقعد وكبير في السن، لا يستطيع العمل، لذا عليّ بذل مجهود أكبر كي أعيل أسرتي وأتمكن من معالجة ابنتي".
تحدي كافة الصعوبات والمشاق
تجمع سعدات ما يتيسّر لها من نباتات خضراء حسب كل موسم، والبداية مع الخبيزة (بنجور) كونها الأكثر انتشاراً في الأراضي الزراعية في فصل الشتاء وأكثر بيعاً في الأسواق، ثم البقلة (PERPOR)، والحمقة (TOZIK، MENDIK)، والبوقات في فصل الربيع والصيف، متحدية كافة الصعوبات والمشاق، من بُعد الأراضي الزراعية والوقوف طوال النهار والمشي لمسافات بعيدة، إلى جانب التعرض لاستغلال بعض التجار بشرائهم ما تقوم بجمعه بأسعار رخيصة، بالإضافة إلى المبالغ الكبيرة التي تدفعها كأجرة للسيارات، كي تتمكن من الحصول على موافقة أصحاب الأراضي الزراعية بجمع البصل الأخضر وجلبه إلى حلب لبيعه، والتي تصل أحياناً إلى 35 ألف ليرة كل ثلاثة أيام.
يحالفها الحظ أياماً، وتُفتح أبواب الرزق في وجهها، فتتمكن من دفع أجرة السيارة، وشراء ما يلزم من حاجيات منزلها، فيما لا توفق أياماً أخرى في جني ما دفعته من أجرة للسيارة، لانخفاض نسبة البيع، فتضطر لحرمان منزلها وأولادها من بعض الحاجيات.
ولا تقتصر معاناة سعدات على عدم تمكنها من دفع أجرة السيارة، بل وبعودتها إلى حلب وهي خاوية اليدين أيضاً.
تقول عن ذلك: "بعض أصحاب الأراضي الزراعية لديهم رحمة في قلوبهم، ويوافقون على جمعنا لهذه النباتات من أراضيهم، وبعضهم الآخر قُساة القلوب، يمنعوننا من ذلك، فنعود أدراجنا دون أي شيء".
وجه بشوش رغم المعاناة
تستقبل سعدات المشترين بوجه بشوش وكلام طيب، على الرغم مما تعانيه؛ حيث تضع ما جلبته أمامها في السوق الواقع في القسم الغربي من حي الشيخ مقصود، وتنتظر بفارغ الصبر، أن يشتري منها المارة، بعد المشقة والتعب الذي تكبدته.
تقول سعدات في هذا الصدد: "أحرم نفسي وأولادي من أمور كثيرة؛ لأن ما أحصل عليه من مال من بيعي للخضرة، يكاد لا يكفي لشراء المواد الأساسية، كالخبز وطبخة الغداء، نتيجة غلاء الأسعار، بسبب الحصار".
وتبيع سعدات خضارها كما تسميهم، بما يتناسب مع الوضع المعيشي للأهالي، قياساً مع الأسعار الباهظة للخضار بفعل الحصار، فعلى سبيل المثال كانت تبيع كيلو البصل الأخضر عندما قمنا بإعداد هذا التقرير، بسعر 3500 ليرة سورية.
الحصار زاد من معاناتنا
وتشير سعدات إلى أن الحصار هو سبب معاناتها: "أكافح كل يوم من أجل الحصول على لقمة العيش؛ لأن الحصار سبّب غلاء في الأسعار".
ومن المال الذي ادخرته من بيع الخضرة (النباتات)، وحرمان أسرتها من بعض الأمور، وبمساعدة بعض الجمعيات، استطاعت سعدات إجراء عملية إزالة كتلة من صدر ابنتها، في الشهر السادس من العام الفائت بمبلغ 300 ألف.
هذا وشنت دولة الاحتلال التركية عدواناً على مقاطعة عفرين في 20 كانون الثاني 2018 لاحتلالها بتآمر وصمت دولي، واحتلتها في 20 آذار 2018، بعد مقاومة 58 يوماً خاضها أبناء عفرين وشمال وشرق سوريا في وجه آلة الاحتلال.
(ل م)
ANHA