برزت ورقة السياسة الخارجية كأحد عناوين المواجهة الرئيسة في تركيا بين تحالف الجمهور الحاكم وتحالف الشعب المعارض، قبيل الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، ولم يمر يوم دون أن تهاجم المعارضة التركية الحكومة، في سياساتها الخارجية، متوعدة بتغييرات شاملة إذا ما فازت بالانتخابات، أبرزها في الملف السوري.
ولطالما انتقدت المعارضة التركية السياسة الخارجية التي تتبعها أنقرة في عهد حزب "العدالة والتنمية"، وعارضت الحكومة بشكل كبير، وهي تتوعد اليوم بتغييرات جذرية في السياسة الخارجية في حال فوزها، منها التوجه إلى اتباع علاقات إيجابية مع الغرب، وانسحابات عسكرية من بعض الدول.
فكيف ستكون السياسة الخارجية للفائز في الانتخابات؟ وكيف سيتعامل مع الغرب، والملف السوري والنازحين، وباقي الدول العربية؟
قالت الصحفية والكاتبة اللبنانية زينة منصور إن أبرز الملفات التي تنتظر الفائز بالانتخابات التركية هي السياسة الخارجية، لا سيما ملف اللاجئين السوريين، والتطبيع مع حكومة دمشق.
وأضافت زينة منصور لوكالتنا أن: "نظام أردوغان منذ اثني عشر عاماً يدعم المعارضة السورية ويشارك في تدمير سوريا واحتلال مناطق نفوذ أو ما تسمى المنطقة الآمنة في شمال سوريا، بهدف تطهير المناطق الكردية في سوريا من الكرد واستبدالهم بالعرب والتركمان"، مؤكدة أن أردوغان في حال فوزه سيستمر في محاولة تطبيع العلاقات مع الأسد.
أما بالنسبة للمرشح كليجدار أوغلو فاعتبرت زينة منصور أنه: "الخيار الأفضل لحكومة دمشق إذ وعد أنّ قطع علاقات أنقرة مع الفصائل السورية المسلحة ووقف كلّ أنواع الدعم لها، أهم بند في حواره مع الأسد، مع تحديد جدول زمني لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم خلال فترة أقصاها عامان".
أما مع إيران التي شهدت العلاقات الاقتصادية نقلة كبيرة في عهد أردوغان، تعتبر الصحفية زينة منصور أن: "هذه العلاقة مؤخراً كانت مزيجاً من الصداقة والعداوة، خاصة أنّ ثمة خلافات أساسية في الموضوع السوري، وفي ناغورني - كاراباخ حيث سياسة تعميق الهوة بين إيران وجمهورية أذربيجان".
لكن السؤال المهم: إذا فاز كليجدار أوغلو هل سيعمد إلى تحسين علاقاته مع طهران؟ تؤكد زينة منصور أن: "السياسة الخارجية لتركيا في العقود الماضية كانت تستند إلى مبادئ ثابتة، مشتقة من الجغرافيا السياسية ومتطلبات السياسة الداخلية للبلاد. لا يمكن توقع أن يُحدث كليجدار أوغلو تغييراً كبيراً في علاقات بلاده مع إيران. خلال العشرين عاماً التي بقي فيها أردوغان في السلطة، شهدت السياسة الخارجية للبلاد العديد من التقلبات، ولكن مع مرور الوقت، أصبحت هذه السياسات أكثر عدوانية ولا يمكن التنبؤ بها بكل الأحوال".
أما فيما يخص العلاقات التركية الأميركية، فتؤكد زينة منصور أن: "الوضع الراهن في العلاقات التركية - الأميركية ليس مستداماً، فمن مصلحة البلدين خلال الفترة المقبلة تطوير حوار مفتوح وصادق بين المؤسسات من أجل تنشيط العلاقات بالوسائل شتى بما في ذلك آلية الحوار الاستراتيجي وتجاوز أزمة الثقة والخلافات بين الجانبين".
تتابع زينة منصور بالقول: "في المقابل، وعد كليجدار أوغلو بتبني سياسة خارجية تحمل شعاراً وردياً بالنسبة للولايات المتحدة والغرب (السلام في الداخل، السلام في العالم)"، وهو الشعار الشهير لكمال أتاتورك، مؤسس الجمهورية التركية وحزب كليجدار أوغلو".
أما روسيا فهي من الدول التي أقامت علاقات وثيقة وحساسة مع تركيا في السنوات الأخيرة، إذ تتفاعل مع تركيا في سوريا وأوكرانيا وفي أزمة ناغورنى كاراباخ.
من الواضح أن نتيجة الانتخابات ستؤثر بشكل مباشر على السياسة الخارجية لتركيا، إذ أن أنقرة تشتبك منذ سنوات عدة بملفات سياسية وعسكرية في المنطقة، منها تدخلات عسكرية مباشرة في سوريا والعراق وليبيا، وتقديم استشارات ودعم في أذربيجان والصومال وقطر، فضلاً عن بيعها أسلحة ومسيّرات لعدد من الدول. فمهمة الرئيس المقبل ليست سهلة، فإن كان أردوغان، من المؤكد أن تعامله مع تلك الملفات لن تبقى على حالها، وأما في حال فوز كليجدار أوغلو، فتغيير سياسة متبعة منذ عشرين عاماً ليس بالأمر السهل.
(ي ح)